الصحراء و طاقتها الترميزية في أعمال إبراهيم الكوني الروائية

Abstract

تصبو دراستنا هذه إلى سبر أغوار الدلالات المتعددة للصحراء وطاقتها الترميزية في أعمال إبراهيم الكوني الروائية معتمدة على المقاربة التحليلية التي لا تركّز على منهج نقدي واحد بل تستعمل عدة مناهج - الوصفي التحليلي، السيميائي، البنيوي - حسب طبيعة النصوص، هذا النتاج الأدبي اعتمد في أدبيته على الصحراء ليست كفضاء يحوي الأحداث فقط إنما كمنتج للدلالة و المعاني. كانت الصحراء في زمن مضى ملهمة الشعراء وشاحذة لقرائحهم، لكن في زمننا الحالي الذي تعددت فيه الأجناس الأدبية ولم يعد الشعر ديوان العرب في المقام الأول، أصبحت الرواية رويدا رويدا الجنس الأدبي الطاغي في الأدب العربي وخرجت الصحراء كبيئة أدبية من اهتمامات الأدباء لعدم تلاؤمها مع خصوصية هذا الجنس الأدبي الجديد الوافد ، إلى أن أتى روائي فذ ،هو ابن الصحراء والذي فارقها مبكرا، وبقي الحنين بداخله للصحراء بركان خامدا، فتفجر هذا البركان في نصوصه الروائية التي جعلت من الصحراء موضوعها الأول والبيئة التي تقوم عليها، لذا فإبراهيم الكوني يعتبر الروائي العربي الوحيد الذي خصص كل نتاجه الأدبي حول هذه البيئة. ولقد افتتحنا دراستنا هذه بفرش نظري حددنا من خلاله الإطار المنهجي للبحث وكذلك ضبط المصطلحات، وشرح بعض المفاهيم النقدية محل الدراسة مثل العتبات النصية ،الفضاء والحيز والمكان، الإشارة إلى بعض الدراسات السابقة التي تناولت بالدراسة أعمال إبراهيم الكوني ،أو جعلت من الصحراء موضوعا لها.

وفي الحقيقة بحثنا هذا انطلق من عدة تساؤلات حول رمزية الصحراء في نصوص الكوني، وليتسع أُفق بحثنا كان لزاما أن يمر عبر الخطوات التالية: 1- سيميائية العتبات النصية: هذا المبحث الذي خصصته لدراسة العتبات النصية وتنوعها في أعمال إبراهيم الكوني الروائية فوجدناها تنقسم إلى قسمين أولهما : أ- العتبة النصية بوصفها أيقونا خارج النص: ويتضمن هذا القسم عتبة الغلاف وما يحتويه من علامات لغوية مثل: العنوان، اسم المؤلف، تحديد الجنس؛ وعلامات غير لغوية مثل: الألوان والرسوم والصور؛ أما القسم الثاني فهو: ب- العتبة النصية بوصفها معطى من معطيات النص: ويتضمن هذا الأخير عتبة الإهداء، النصوص العتبة وعلاقتها بالمتن، عتبات الهوامش؛ وفي هذا المبحث درسنا أيضا علاقة العتبات النصية الكونية بنصوصه وكذلك الخصائص السردية للعتبات النصية ورمزيتها. 2- فضاء الصحراء بعناصره المكانية وتأثيثاته المشهدية: ولقد ركزت فيه على المكان ورمزيته من خلال الطرح الفلسفي الذي يقول: هل الإنسان هو الذي يسكن المكان؟ أم المكان هو الذي يسكن الإنسان؟ وانطلاقا من هذه الجدلية درسنا عدة أماكن من بينها الواحة والرمال ولعنة الجَمال فالإنسان الصحراوي خُلق حرا طليقا لا يخضع للحدود لهذا فإنه يرى في الواحة سجنا ولعنة تحل بمن يسكنها ،لهذا نجد الطوارق لا يسكنون الواحة ولا يركنون إليها لأنها محل اللعنة، على الرغم مما تمنحه الواحة من العيش الرغيد إلا أن الإنسان الصحراوي يفضل قسوة الصحراء وجبروتها على أن يكون مسجونا في مكان محدود ،فالصحراء تمنح له الحرية، السعادة والشعور بالذات؛ وفي هذا المبحث تطرقنا أيضا إلى الأفق والسراب ولعبة الفناء، الشعاب والوديان، الحمادة والجبال، الكهوف والخيام، الشمس والقمر، الرياح والقبلي، البئر. 3- الصحراء حيوية المعرفة وحركية سؤالها: ولقد تطرقت من خلال هذا المبحث إلى تمثلات الصحراء في نصوص إبراهيم الكوني واحتمالات المعنى الممكن فالصحراء لدى الكوني ليست بيئة عادية، إنما هي ذات فاعلة في نصوصه وبؤرة الدلالة؛ وركّزنا في هذا المبحث على فعل الكتابة الذي ينصت للغياب والفقدان والأصوات : مثل أصوات، همهمات وزغاريد الجن وكذلك السمة الكتابية – الحروف المكررة، البياض – التي تؤدي دورا مهما في شحن المعنى وتقويته وتطرقنا كذلك إلى رمزية الكتابات الهيروغليفية والتيفيناغ وقراءة رموزهما، كما نلفي أن الصحراء في نصوص الكوني هي منبع الحكمة والمعرفة، فبطبيعتها القاسية تعلّم الإنسان الصبر والحكمة والتعامل الحذر مع أبسط الأمور، كما درسنا في هذا الفصل أساطير الصحراء التي تزيّن و تنمّق نصوص الكوني، إذْ لا يمكن أن نجد نص بدون أسطورة، هذه الأخيرة التي تحرك الفعل السردي في الرواية وفي بعض الأحيان توجه السرد. 4- رمزية الصحراء واستثمار تأويلاتها: تكلمت هاهنا عن رمزية الصحراء وتعدد الدلالة وانفتاحها، ففي نصوص الكوني نجد أن البدايات دائما تولد من النهايات، دائما يجب أن تكون التضحية والتطهّر للوصول إلى الحرية والصفاء التي تدعوا إليهما الصحراء، فنجد أن الذات قلقة في صراعها وحلمها بالتحول والتغيير، لكن هذا لن يتأتّى لها إلا بمسايرة ناموس الصحراء، الذي لن يسلم من العقاب من يتجرأ ويخرقه، ولا يفي بالنذر، الصحراء لا ترحم من لا يحترم نواميسها؛ في الصحراء كذلك كل شيء يتلاشى ويفنى إلا الحقيقة المطلقة وهي الإيمان بالماورائيات ونلفي في نصوص الكوني تركيزه على التركيبة الثنائية للوجود : فنجد الصحراء / الواحة ،الخير/الشر، الحق/الباطل؛ ففي كل نصوص الكوني نلفي حقيقة أن الصحراء هي المعنى الخفي والغامض لجوانب الوجود والكون . 5- الصحراء سلطة المكان وعنف السرد : وفي هذا المبحث درسنا سلطة المكان الصحراوي في روايات إبراهيم الكوني، وقدرة هذا الأخير على تصوير الصحراء كبيئة تسحر القلوب قبل العقول وتقبض على خيال القارئ وفكره، وكيف يبني الكوني الشبكة الدلالية التي يصوغ بها النص وجوده؛ كما ألفينا العنف الداخلي الذي تؤكده العبارات، الصور، المجازات والأسطورة، كما نلج في هذا المبحث إلى البعد التراثي الأسطوري في نصوص الكوني، فالصحراء أرض الأسطورة، وختمنا البحث بتحليل بعض الصور السردية المحفّزة للفعل الدرامي . بعد هذه الرحلة النقدية التي تتبعنا فيها المسار السردي في النصوص الروائية لإبراهيم الكوني والتي توقفنا فيها في بعض المحطات لكشف حيثيات السرد واستنطاق الصحراء ورمزيتها التي وظّفها الكوني في نصوصه، والتي كانت المنتج والمحرك لهذا السرد، ولقد أرست بنا هذه الرحلة إلى بعض النتائج المتعلقة بالصحراء وطاقتها الترميزية والتي نحصرها في ما يلي: الصحراء عند الكوني ليست الصحراء المكان العادي، الصحراء عنده تقترن بالعوالم الأخرى ،الصحراء منبع الحكمة والمعرفة، وترتقي لتكون شخصية روائية ومُعلمًا في بعض الأحيان، ولها سلطة المكان فتفرض منطقها وأسلوبها على أبنائها. إبراهيم الكوني استثمر الفضاء الصحراوي أكبر قدر ممكن على الرغم من محدوديته ويجعل القارئ يغير نظرته لهذه البيئة من بيئة قاحلة تنعدم فيها الحياة إلى بيئة وفضاء لا محدود مفتوح على أسرار الكون والوجود. الكوني صوّر الصحراء بلغة شعرية ليلامس بذلك مكامنها وأسرارها وفي بعض الأحيان يقدم نظرة فلسفية للصحراء، حتى أصبح يلقب بفيلسوف الصحراء. الكتابة الروائية عند إبراهيم الكوني حرّك بها الإبداع الأدبي العربي، هذا الأخير الذي ظلّ عقودا من الزمن نسخة رديئة عن الإبداع الغربي، إبراهيم الكوني الذي اتجه نحو البيئة العربية الصحراوية ليتخذ منها حيّزا مكانيا لإبداعه، هذا الإبداع الذي حاز على اعتراف الغرب قبل العرب، هذا الغرب الذي نظر إلى الصحراء العربية مجرد فضاء للبكاء على أطلال قد خلت، اكتشف صحراء جديدة مع الكوني، صحراء من دون بكاء ... لكن مرحبا بالبكاء إذا كان ينتج إبداعا يلامس سحر بيئتنا وعالمنا . وفي خاتمة بحثنا هذا ننوه بأن هذه النتائج التي توصلنا إليها من خلال محايثتنا للواقع الروائي في نصوص الكوني، ليست نتائج قطعية بل هي نتائج نرجو منها أن تثير غريزة البحث والنقد لدى القارئ، وأن تفتح رؤيا جديدة لبحث جديد .

The concern of this study is to explore the various meanings of the desert and its symbolic energy in the works of Ibrahim el-Koni that is based on analytical approach, which does not focus on single monetary approach but uses several approaches, analytical, descriptive and structural methods. The literary output is based on the desert not only as space of events but as product of data and meanings. The desert at that time was a source of inspiration for poets, but in the present time, where the literary genres and poetry is no longer the Arabic language in the first place, the novel gradually became the dominant literary genre in the Arabic literature and emerged as literary environment as literary interests not compatible with peculiarity of this new literary genre, until the novelist came that is the son of the Sahara, who has left it early and the nostalgia inside the desert remains stagnant , the volcano explodes in its visionary texts which made the Sahara its first subject and the environment on which it is based. Ibrahim el-Koni is considered as the only Arab novelist who devoted his products on this literary environment. We have opened this study with theoretical side in which we identified the methodological framework of research and the definition of terms and exploration of some monetary concepts such as the textual thresholds, space, reference to some previous study such as that dealt with the works of Ibrahim al-Koni. In fact, our research was started from several questions about symbolism of the desert in the texts of Al-Koni, and to go deeply, our research had to pass through the following steps: - Semiotics of textual thresholds: This chapter is devoted to the study of the textual thresholds and its diversity in the work of Ibrahim al-Koni , it is divided into two parts: A- the text thresholds as an icon outside the text: this section includes threshold of the cover and the contents of the linguistic signs such ad: title, author, name gender, identification, non-linguistic signs such as colors, drawings, and pictures. In this section we also studied the relationship between the textual thresholds of the text and the narrative characteristics of the textual thresholds and their symbolism. -The space of the desert with its spatial elements and Scenery Furnishing, I have focus on the place and the symbolism through the philosophical preposition that says: is man who lives in the place? Or the place...the human beings? Based on this dialectic we studied we studied several places including oasis and san and the ....of beauty. the Sahara man was created free and free, not subject to the limits, so he sees in the Oasis a prison and a curse to be solved by these who inhabit it, this is why the Touareg do not dwell happiness and sense of self. In this study we also touched on the horizon and the mirage and the game of courtyard, reels and valleys, Hamada , mountains ,caves and tents for the moon, the wind and the tribal, the well. - The Sahara is vital to the knowledge and the dynamics of its questions: I have touched on the presentation of the desert in the texts of el-Koni, the cosmic and the possibilities of possible meanings. The desert in el-Koni is not normally environment, but are effective in its texts And the focus of significance , the works of writing such as voices, grunts and jinn songs as well as the character of the script, the refined letters, whiteness which play and important role in shipment of meaning and strengthening and also touched on the symbolism of hieroglyphs and Tifinagh and read their symbols and we know that the Sahara in the texts of el Koni is the wisdom and knowledge. In its harsh nature, man teaches patience, wisdom and careful handling with the simplest of things as we have students in the chapter the legends of the desert that decorate the texts of el-Koni, the narrative action moves in the novel and sometimes the narrative moves. - The symbolism of the Sahara and the investments of the interpretations: I spoke here of the symbolism of the desert and the multiplicity of significance and openness. In the texts of el-Koni we find that the beginnings always generated from the endings. Always must be sacrifice and purity to access the freedom and serenity called by the desert and the dream of transformation and change but this will not deliver the punishment of those who dare and violate. After the critical journey, which witnessed the touch and narrative in the epic narrative of Ibrahim el-Koni the cosmic in which we stopped in some stations reveal the reasons of narration and the exploration of the desert and symbolism described by el-Koni in the palace of king which was the desert where you come to the other world. The Sahara is a place of wisdom and knowledge and takes more consideration the fact that desert is the place where the readers changes his view of this environment from the evidence and space is not limited, open to secrets of el-Koni and the cosmic existence pictures of desert language poetic on her mothers and secrets and some of the humiliations of the look of philosophy of the desert, until he became known as the philosopher of the desert writing novelist. Ibrahim el-Koni Arab literary creativity which has been decades of poor copy of Arab creativity. el-Koni who turned towards the Arab desert year to take the place of creative place this deposit. Which won the recognition of proximity to the Arabs. This west which looked at the Arab desert just crying tears at the ruins have been abandoned, discovered a new desert with the dog , desert without crying but welcome to cry if it produces creativity touches the magic of our environment our world. In conclusion of this research, we note that these results which we reached through our concern of the novel reality in the texts of el-Koni are not conclusive but rather results which we hope will raise the instinct of the reader's research and criticism and open up a new vision for a new research