المعتقد في الشّعر الجاهلي

Abstract

احتلّت المعتقدات والعبادات والطقوس الدينيّة حيّزا كبيرا ومهمّا في حياة الجماعات الإنسانيّة منذ القدم. فالإرث المعتقداتي منحدر من أصول أسطورية موحّدة فيها تشابه عميق و إن اختلف في صوره إلّا أنّه بقي محافظا على رموزه. و المجتمع العربي الجاهلي مثله مثل الشعوب الأخرى كانت له تصوّراته و تساؤلاته الّتي راودته حول مظاهر الطبيعة و القوى الإلهيّة و الحياة و الموت، و هذا الموروث الفكري بقي راسخا في اللاشعور الجمعي ليفلت في الفنّ الشعري . و بذلك عبّر هذا الأخير عن الواقع المعيشي للمجتمع الجاهلي، فأحاط بمعاناته ومواقفه الداخليّة والخارجيّة و آماله ومعتقداته. ومن ذلك كان لزاما علينا الاعتماد على الشّعر كمصدر لاستنباط كلّ الأفكار الإيمانيّة والدينيّة الّتي تميّز بها المجتمع العربي لسبب بسيط هو أنّ الشّعر يشكّل اللّون الأدبيّ الغالب ولعلّه الوحيد الّذي تبقى لنا بشكل واضح ومباشر من ألوان الأدب العربي في الفترة السّابقة لظهور الإسلام. ففي ثنايا هذه الدراسة عرّفنا بالأمّة العربية الّتي تعدّ من أقدم الأجناس الساميّة، وأشرنا إلى تاريخ وديانات الدويلات القديمة الّتي ظهرت في بلاد العرب، مستعينين بما توصّل إليه الآثاريون من نقوش وما تركه الإخباريون من أساطير وخرافات. كما حاولنا في هذه الدراسة المتواضعة التوغّل في التراث الميثولوجي والدّيني الّذي كشفت عنه الصورة الرمزيّة في الشّعر الجاهلي. رغم أنّنا لم نركّز على المنهج الأسطوري وطريقته في تحليل الشّعر القديم إلاّ أنّنا أشرنا إلى بعض المعاني الرمزيّة الّتي تدلّ على أفكار عميقة راسخة في اللاّوعي الجمعي أساسها الرّواسب الكثيرة الّتي انحدرت إلى هذا الشّعر من الدّيانات القديمة ، خاصّة أنّ العرب لم ينحصروا في جزيرتهم – نسبة لما ذكره بعض المؤرّخين - بل اتّصلوا بشعوب مجاورة وأخرى بعيدة فأخذوا عنهم أو تأثّروا بمعتقداتهم. وتوصّلنا إلى أنّ المجتمع الجاهلي لم يعرف الوثنيّة وحدها بل ظهرت ديانات أخرى كعبادة الظواهر الطبيعيّة بحيث أنّ الثالوث الكوكبي (الشمس –القمر –الزهرة) كانت من أهمّ النجوم المعبودة لتوهّمهم أنّ فيها قوى روحيّة كامنة و مؤثّرة في حياة الإنسان. كما وجدت في بلاد العرب ديانات سماويّة كالحنيفيّة و اليهوديّة و النصرانيّة و الّتي انصاغت عند قبائل تلك البقعة الجغرافيّة ، كلّ بحسب خلفيّاته ومعتقداته الفكريّة. كما أنّ ثمّة اعتقادات أخرى كانت شائعة في المجتمع العربي القديم وبقيت آثارها في هذا الزمان وهي الإيمان بقوى خفيّة (الجن) لها القدرة على إيذاءهم ولذلك عمدوا إلى الاستعانة بوسائل تمكّنهم من اتّقاء شرورها، فقاموا ببعض المراسيم والطقوس وقرؤوا الرقى والتعاويذ لاسترضائها بمساعدة الكهان والعرّافين.