الملكة اللغوية بين العفوية والتلقين

Abstract

كثي ا ر ما يشكو الناس من تدنّي مستوى التعليم ، اولمستوى اللغوي بصفة خاصة، ولاشك أنّ من أسباب هذا التدنّي هو عدم الاهتمام باللغة كغاية ووسيلة في الوقت نفسه، فهي أساس أيّ إبداع علميّ أو أدبيّ، فلا إبداع من دون لغة قادرة على تحريك كمون الفكر، فإنّ قصّر المتعلّم في تعلّمها وفي استعمالها لضعف تحصيله إياها، قصّر أيضا في تحصيل جميع العلوم غير اللغوية، واللغة العربية شأنها شأن أيّ لغة لها نظامها الصرفي والنحوي والتركيبي، ولغة المشافهة فيها تختلف بعض الشيء عن لغة الكتابة، وما تختلف فيه اللغة العربية عن اللغات الأخرى هو الاختلاف الكبير بين المستوى العامي والمستوى الفصيح الذي نجده فقط في الكتابة، فالصعوبة في تحصيل الملكة اللغوية لدى المتعلّم العربي لا تر تّكز في صعوبة قواعد النحو والصرف، بل يعود السبب في ذلك إلى الاختلاف بين المادة اللغوية التي يجدها المتعلّم في المدرسة وما يحمله من رصيد لغوي اكتسبه قبل سنّ التعليم من الهجين والرطانة اللغوية، فذلك يؤ ثّر سلبا في العملية التعليمية والتحصيل الد ا رسي. فالحديث عن تعليمية اللغة العربية الفصحى يقتضي الحديث عن واقع الاستعمال اللغوي الذي يحيط بالطفل قبل دخوله إلى المدرسة من ظواهر لغوية مختلفة نذكر منها: الازدواجية اللغوية، الثنائية اللغوية، والتداخل اللغوي، حيث إنّ الإشكال لا يكمن في اختلاف اللغة المكتسبة لدى التلميذ عن لغة التعليم ولكن الخطورة تكمن في اكتسابه المستوى العامي المح رف من لغة التعليم ذاتها. إنّ الاستعمال اللغوي السليم مرتبط بجملة من المعطيات لعلّ من الأجدر أخذها في الحسبان بدءا بالمتعلّم نفسه وما يحفزه على تعلّم اللغة إشارةً إلى بعض العوامل النفسية خارج نطاق اللغة ذاتها، أخذا مستوى المعلّم وتخصصه بعين الاعتبار، ويضاف إلى ذلك المقرّر وما يتعلق بقواعد النحو والصرف، حيث غابت الغاية الأساس من تدريس النحو، حيث اقتصرت عملية التعليم على سرد المعلومات دون الاهتمام بتنشيط المها ا رت، أو على التطبيق الشكلي لقوانين اللغة دون إد ا رك ماهية المصطلحات أو فهم قيمة العنصر اللغوي في تشكيل السياق وانتاج الدلالات، فبين الاستعمال العفوي للغة والتلقين الشكلي للنحو العربي فُقدت الملكة اللغوية.