تطور العلوم الاجتماعية بين متطلبات الصياغة الابستمولوجية و تداعيات التغيرات المجتمعية

Abstract

تعيش العلوم الاجتماعية عموما وضعا متأزما نتيجة التسارع الحادث على مستوى التغيرات المجتمعية و عدم مواكبة التطور العلمي لهذه التغيرات. من الناحية النظرية يمكن القول أن الأزمة تكمن في الموضوع ذاته -المجتمع بصفة عامة- نتيجة حركيته و ديناميكيته و بالتالي عدم التمكن من الإحاطة به و تثبيته مما يجعل النتائج المحققة من خلال الأبحاث تخضع لمعيار النسبية بشكل كبير و عميق. في المقابل تطرح الطرائق البحثية و الأدوات المنهجية إشكالية أخرى تتعلق بعدم تمكن هذه الأخيرة من الإلمام بالواقع المجتمعي و التمكن من استغراق متغيراته مما يطرح مسألة محدوديتها في تحقيق نتائج مستقرة، عامة و فعالة نتيجة لعدم قدرتها على صياغة قوانين تاريخية. إن التراجع الحادث على مستوى البحث النظري (الأساسي) لم يترك المجال مغلقا أمام التقدم الملحوظ لبعض النماذج المعرفية و بروزها على المستوى العلمي و البحثي كالتفاعلية الرمزية، البنيوية و الاتجاه المعرفي في علم النفس. هذا البروز جلب معه تنوع في المحاولات التفسيرية و التحليلية للواقع المجتمعي بحيث جعلت منه واقعا متعدد الأبعاد خاصة من الناحية المعرفية التي أدت إلى تكاتف عديد العلوم الاجتماعية في دراسة واقع مجتمعي واحد بغية الإحاطة به من جميع الجوانب. في مقابل هذا نلاحظ أن التنوع و التعدد النظري و المنهجي للعلوم الاجتماعية لم يستطع أن يحد من خصوبة الواقع المجتمعي الذي يبقى مجالا خصبا و حيويا للعلوم الاجتماعية التي تتطلب تجديدا للأطر المعرفية و المنهجية حتى تتمكن من الإلمام به و إعادة صياغته صياغة علمية واضحة و معترف بها أكاديميا و اجتماعيا، هذه المسألة فتحت المجال واسعا أمام التساؤل المتعلق بالفائدة المرجوة من هذه العلوم و سيطرة النظرة البراغماتية على الناحية العلمية مما حد من فعالية بعض التخصصات و بالتالي انحسارها علميا و عمليا و مد الأخرى بحقول واسعة للدراسة و البحث و بالتالي بروزها و انتشارها علميا و عمليا. هذه الإشكاليات لم تغب عن بال الفاعلين الاجتماعيين خاصة الأكاديميين منهم الذين يحاولون التكيف مع مختلف المستجدات المعرفية و المجتمعية بهدف إعادة بعث هذه العلوم من خلال تقديم نماذج معرفية تتواءم و المستجدات الحادثة، هذه الأخيرة تتميز بأزمة متعددة الأوجه مست جميع المستويات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية و حتى الأخلاقية. انطلاقا من هذا نحاول في هذه المداخلة التركيز على الجوانب المعرفية و الابستمولوجية للعلوم الاجتماعية من خلال محاولة التطرق لمسألة التأطير النظري و صياغة النماذج المعرفية أو من خلال التناول البحثي و الأدوات المنهجية المتبناة في سبيل تحقيق ذلك. مع محاولة إجراء حالة إسقاطية على التجربة الجزائرية في هذا المجال.