المحتوى الثّقافي في نصوص تدريس اللّغة العربيّة في المرحلة الابتدائيّة

Abstract

تفرض علينا اللّحظة الحضارية المعيشة اليوم تحدّيات جساما لأنّها محكومة بميزان السّياسة والقوّة والمصالح والنّفوذ... ويُوجّهها منطق العولمة والرأسمالية، لذا توجّب لزاما على من يعيش رهانات هذا العصر أن يمتلك أسلحة الثقافة، ومعادلات العلم والمعرفة لكي يتسنّى له مسايرته واللّحاق بركبه، لأنّ الثقافة هي أهمّ معيار يُصنّف على أساسه تقدّم الدّول أو تخلّفها، ووسيلتها في ذلك التعليم، وهذا لتأثيره البالغ على باقي منظومات المجتمع، ناهيك عن كونه المرآة العاكسة لحال الأمّة التي تحتضنه، من هنا توجّب عليها إعطاء الاعتبار للمنظومة التربوية، وخاصّة فيما تعلّق بمحتويات الكتب المدرسية، وبالأخصّ المحتويات التعليمية والثقافية في كتب اللغة العربية في مرحلة التعليم الابتدائي، لأنّها المرحلة الأساس في هذا البناء، ويُضاف إلى هذا أهمية اللغة العربية باعتبارها اللغة الرّسمية والوطنية. فانطلاقا من هذا الاعتبار تمحورت إشكالية هذا البحث في السؤال الآتي: - هل المحتوى الثقافي في نصوص تدريس اللغة العربية في المرحلة الابتدائية ملائم ومناسب للظروف الراهنة والمستقبلية، ويُؤسّس لرجل المستقبل؟. وتنطوي تحت هذا الإشكال مجموعة من التّساؤلات فحواها: 1- ما نوع الثقافة السائدة في نصوص تدريس اللغة العربية في المرحلة الابتدائية؟ 2- ما مدى تجسيد الذّاتيّة الثّقافيّة الجزائرية في نصوص تدريس اللغة العربية في مرحلة التّعليم الابتدائي؟. 3- ما هي القيم التّربويّة المتضمّنة في نصوص تدريس اللغة العربية؟. 4- هل كانت عملية اختيار هذا المحتوى شاملة لجميع الأبعاد والمجالات الثقافية؟. 5- هل يناسب المحتوى الثقافي لهذه النصوص تلميذ العصر الحالي؛ ويؤسس لرجل المستقبل؟. 6- هل يناسب هذا المحتوى مُختلفَ المتعلّمين في مختلف البيئات الجزائرية؟. وبناءًا على ما سبق ذكره كان الموضوع الذّي تطرقنا له في هذا البحث يتعرّض للمحتوى الثقافي في كتب التلميذ في اللغة العربية في المرحلة الابتدائية، وقد وسمناه بـ: "المحتوى الثّقافي في نصوص تدريس اللّغة العربيّة في المرحلة الابتدائيّة". وبناءا على ما سبق، فقد جاء مضمون هذه الدراسة في تمهيد، وثلاثة فصول وخاتمة. أمّا التّمهيد فقد تطرّقنا فيه إلى الطّفل والثّقافة، ومن خلاله تعرضنا إلى النقاط التالية: مفهوم ثقافة الطفل وعناصرها، والعوامل المؤثرة فيها، وتعريف المحتوى الثقافي، والعلاقة بين التّربية والثّقافة، وبين اللّغة والثّقافة. أمّا الفصل الأوّل الذي جعلناه بعنوان: مناهج اللّغة العربيّة في المرحلة الابتدائيّة، وألحقنا به تحليل نتائج الاستبانة الذي أجريناها في هذا الصدد. وكان الفصل الثاني مخصّصا للحديث عن الذّاتيّة الثّقافيّة في نصوص تدريس اللغة العربية، وامتدادا لهذا تطرقنا إلى قضية توثيق نصوص اللغة العربية. وفي خطوة ثالثة ناقشنا طرائق تعليم أنشطة اللغة العربية. أمّا الفصل الثالث فقد خصصناه لدراسة القيم المتضمّنة في نصوص تدريس اللغة العربية. ثمّ أنهيا بحثنا هذا بخاتمة؛ ضمّناها أهمّ النتائج المتوصّل إليها، متبوعة بوجهات نظر للإثراء والتثمين. أظهرت نتائج هذا البحث أنّ الثقافة السّائدة في نصوص تدريس اللغة العربية هي الثقافة المحليّة بالظاهر، لكنها طُبعت بطابع العمومية في التّناول ولم تمسّ الجوهر من الموضوع، وهذا من خلال إسقاط عناصر مهمّة فيها كعدم ذكر بيئة الأحداث ومكانها وزمانها ، وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها، بالإضافة إلى محدوديّة مواضيع هذه النصوص، بالتالي نرى أنّها لم تُحسن تجسيدَ الذاتية الثقافية الجزائرية في نفوس متعلمي هذه المرحلة. يُضاف إلى هذا ضعف ظهور بل غياب التوجّهين العربي والإسلامي يزيد من حدّة تفاقم هذا النقص، ويُعكّر وضوح نوع الثقافة التي تريد مناهج اللغة العربية غرسها في تلاميذ هذه المرحلة. كما أنّ تضمين القيم في نصوص اللغة العربية يَشُوبه التباين من صفّ دراسي إلى آخر، مع غياب الدراسة القبلية والخطّة الواضحة لتوزيعها على مختلف نصوص سنوات المرحلة الابتدائية، يقودنا إلى القول بعدم الالتزام بنسق قيمي معيّن، ولأدلّ على ذلك الظهور الباهت لكثير من القيم المهمّة كالدّينية والسّياسية الوطنيّة وغيرها، وهذا النّقص يعدّ كذلك من ضمن عدم إلمام هذا المحتوى بجميع هذه المجالات الثقافية انطلاقا ممّا يتطلبه متعلم العصر الحالي، وأخذا بعين الاعتبار اختلاف البيئات الجزائرية وتعدّدها وتمايُز ثقافاتها، مادامت هذه النصوص موجّهة لجميع الجزائريين على اختلاف هذه البيئات، نرى بأنّ هذا المحتوى انطلاقا من هذا المُعطى واستئناسا بما يراه بعض الباحثين في هذا المجال أنّه لا يناسب إلى حدّ كبير هؤلاء المتعلمين تبعا للظروف المحيطة بهم في كل بيئة.