اللغــة والعـمـران عند ابن خلدون

Abstract

يعالج هذا البحث القضية اللغوية في نظر ابن خلدون، إذْ هي في نظره ظاهرة اجتماعية أفرزتها التعاملات بين الناس؛بلهي إحدى الظواهر العمرانية الناتجة عن التجمع الإنساني، فهي خاضعة لنظام العمران البشري، ومتصلة بباقي ظواهره، فهي بذلك ذات طبيعة علائقية معها، وابن خلدون لم يعالج الظاهرة اللغوية بمعزل عن بقية الظواهر العمرانية، فاللغة في نظره كائن اجتماعي، ينشأ في رحمالمجتمع ويتطور، فهو يتأثر فيه ويتأثر به، وهو يُعالجها في سياق عام ضمن أطروحته حول العمران البشري أو التجمع الإنساني ونشوء الدولة. واللغة حسب ابن خلدون لها علاقة وطيدة بعناصر العمران؛ فعلاقتها بالبيئة الجغرافية من خلال نشوئها في هذا الوسط الجغرافي، حيث تتأثر بكل ما يحيط بها من مظاهر جغرافية مختلفة؛فالظواهر الجغرافية في نظره تؤثر في الأفراد من حيث أجسامهم وطبائعهم، وعلاقتها بالمجتمع علاقة تلازم؛ ففي رحمه تشكلت وتطورت وعبّرت عن جميع حاجياته، وهي وسيلة هامة في السياسة والممارسة السياسية، حيث تتأثر كل واحدة منهما بالأخرى، فاللغة أساس السياسة، فلا سياسة من غير لغة، في حين أن السياسة أثْرَت اللغة بمفردات وتراكيب ومعان جديدة، بل أنتجت لغة جديدة. وللغة أثرها البارز على الاقتصاد أيضا، فباعتباره أحد عوارض العمران فهو محتاج إلى اللغة في جميع تعاملاته، ومن جهة أخرى فللاقتصاد الأثر البارز على اللغة، فهو يدخل حتى في بنيتها الداخلية، فضلا عن توظيفه فيها في كل المجالات، وعلاقتهابالعلم متداخلة بدرجة كبيرة، إذْ لا مدخلَ للعلوم المختلفة إلا عبر اللغة، فالعلوم تُدرس وتُحفظ وتُنقل للأجيال عبرها، وفي المقابل للعلوم دور بارز في الدراسات اللغوية وتطورها، واللغة هي الوسيلة الأمثل في أي تعليم –مهما كان نوعه-، فباللغة ندرس ونتعلم، وبها نفهم ونُفهِم، وبها نُحصّل العلوم المختلفة، ومن جهة مقابلة فللتعليم دوره البارز في اكتساب اللغة وتحصيل ملكتها، وسواء أكان تعليما أم تعلما ذاتيا فهي لا تُمتلَك إلا من خلاله.